فاطمة بنت محمد الفِهْرية القُرَشية هي امرأة مسلمة عربية، لُقبت بأم البنين،تعود أصولها إلى ذرية عقبة بن نافع الفهري القرشي فاتح تونس ومؤسس مدينة القيروان. وهي شخصية تاريخية خالدة في ذاكرة مدينة القيروان وتونس، ومدينة فاس في المغرب، والتاريخ التونسي والمغربي، أسست مع شقيقتها مريم الفهري جامعة القرويين في المغرب عام 859 م، وتُعد أول جامعة في العالم، توفيت فاطمة حوالي سنة 265 ھ (878 م).
بناء المسجد
لم تزل فاطمة تفكر في أمر إنفاق المال الوفير حتى انتهت إلى العزم على بناء مسجد يكون ذكرًا لها بعد موتها، وصلة ببنيها مع أهل الدنيا، وليظل عملها بعد موتها مستمرًا. عمدت فاطمة إلى مسجد القرويين فأعادت بناءه في عهد دولة الأدارسة، وضاعفت مساحته بشراء الحقل المحيط به ضمت أرضه إلى المسجد، وبذلت مالًا كثيرًا برغبة صادقة حتى اكتمل بناؤه في صورة بهية وحلية رصينة. وتذكر المراجع التاريخية أن فاطمة الفهرية هي التي تطوعت ببنائه وظلت صائمة ونذرت ألا تفطر يوما حتى ينتهي العمل فيه.
ومن بين ما ترويه كتب التاريخ عن فاطمة انها عقدت العزم على ألا تأخذ ترابًا أو مواد بناء من غير الأرض التي اشترتها بحر مالها، وطلبت من عمال البناء أن يحفروا حتى أعماق الأرض يستخرجون من أعماقها الرمل الأصفر الجديد والأحجار والجص ليستخدموه في البناء. بدأ الحفر في صحنه لإنشاء بئر من أجل شرب البنائين، ولاستخدامه في أعمال البناء. ثم عمدت بعد ذلك إلى حفر بناء أساس وجدران المسجد وقامت بنفسها بالاشراف عليه، فجاء المسجد فسيح الأرجاء محكم البناء وكأن فاطمة عالمة بأمور البناء وأصول التشييد، لما اتصفت به من مهارة وحذق؛ فبدا المسجد في أتم رونق، وأزهى صورة، وأجمل حال وزخرف. وكان ذلك أول رمضان سنة 245 من الهجرة. وعند إتمام البناء، صلت فاطمة صلاة شكر لربها على فضله وامتنانها لكريم رزقه وفيض عطائه الذي وفقها لبناء هذا الصرح الذي عرف بمسجد القرويين نسبة لموطنها القيروان.
وقال عنها عبد الرحمان ابن خلدون «فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها». ولا زال جامع القرويين إلى جوار جامع الأندلس الذي بنته شقيقتها مريم يؤديان دورًا رائدًا في نشر الإسلام والعلوم في المغرب ثم نحو أوروبا. وأصبح جامع القرويين الشهير أول معهد ديني وأكبر كلية عربية في بلاد المغرب الأقصى. وبذلك كانت فاطمة بنت محمد الفهري القيرواني هي مؤسسة أول جامعة في العالم وهي جامعة القرويين، وماتت السيدة فاطمة نحو 265 -878م.
وكان تصميم القرويين مربعًا على نحو ما عرف في معظم المساجد الأولى إلا أن تربيعه لم يكن تامًا، ويبلغ طوله مائة وخمسين شبرًا (أي حوالي 1600 مترٍ مربعٍ). ويذكر الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني في كتابه "فاس عاصمة الأدارسة" أنه "وعلى مر الدهور والأعوام تنافس الملوك والدول في توسيع بنائه ورصد الأموال للقيام به، فزاد فيه أيام الدولة الزناتية أميرُها أحمد بن أبي بكر من خمس الغنائم عام 345، وزاد فيه أيام الدولة المرابطية علي بن يوسف بن تاشفين، ثم لم يزل يوسع، ويجدد، وتزداد أوقافه، أيام دولة الموحدين ودولة المرينيين .. إلى أيام دولتنا العلوية الحاضرة .
ويقول الباحث عبد الهادي التازي في كتابه "جامع القرويين: المسجد والجامعة بمدينة فاس" إن حيازة جامع القرويين لأوقاف جعلته مستقلاً ماليًا عن خزينة الدولة، بل أن الدولة اقترضت في مراحل تاريخية مختلفة من خزينة جامعة القرويين التي أفاضت منها على سائر مساجد فاس، وسَرَتْ أوقافها الزائدة حتى المسجد الأقصى بالقدس، وحتى الحرميْن الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وبفضل القرويين، وصف المؤرخ عبد الواحد المراكشي مدينة فاس في القرن السادس في كتابه "المعــجــب في تلخيص أخبار المغرب" فقال "ومدينة فاس هي حاضرة المغرب في وقتنا هذا، وموضع العلم فيه؛ اجتمع فيها علم القيروان وعِلم قرطبة
تعليقات
إرسال تعليق